dimanche 24 juin 2012

فوائد من جامع أبي عيسى الترمذي



صنف الإمام الترمذي جامعه الكبير في السنن مع التنبيه إلى مسائل الصحابة والتابعين ومن نهج نهجهم في التفقه من الكتاب والسنة، وقد ضمنه في الغالب اختيارات أئمة أهل الحديث ممن عاصرهم وأخذ عنهم، أو ممن كانوا في طبقة سابقة عنه، ويكونون في الأغلب ممن أخذ عنهم شيوخه المبرزين، وقد عن لي من خلال تتبعي لهذا الصنف من التأليف أن الخائض في هذا الفن – وهو التصنيف على مثال الكتب المختصة في ذكر السنن – يكون قد حصل من المعارف الشيء الكثير، ولا بد له وهو يخوض في هذا الفن من أدوات تمكنه من ناصية الاستنباط، فظهر بهذا أن الترمذي ومن شاكله حائز على مرتبة عظمى من الفهم في الدين، فليس الرجل ممن أعطي حظا من الرواية فقط، وإنما هو ممن تملك ناصية التفقه في السنن، وهذا شرط المصنف في هذا الجنس من التأليف، فهؤلاء الذين صنفوا "السنن"لم يكونوا قاصدين إلى حفظ السنن في ديوان جامع فقط، وإنما كانوا قاصدين وبشكل أساس إلى جمع استنباطاتهم وذكر اختياراتهم لتحفظ كذلك وتظهر للناس، ولا غرو أن رأيناهم يتفننون في ذكر التراجم الجامعة والأبواب المحرزة لما تحتها، مع الدقة في اختيار الألفاظ، والتهمم بذكر الآثار المفسرة لما هو بسبيله، وظهر من هذا أنه لا يقدم على مثل هذه التصانيف إلا من كان ريان من علم الشريعة محكما لمعاقدها بصيرا بمقاصدها، لا كما يشغب البعض من الوسم بالحشوية، وفي زماننا من التعيير بالحنبلية، ولم أر من عدّ الترمذي في طبقات الحنابلة.
ولهذا فكتب السنن قليلة العدد لقلة المجتهدين الجامعين بين الحديث والفقه، ولا شك في أن الكل إنما يمتاح من صنيع إمام دار الهجرة مالك بن أنس؛ وذلك في عمله في الموطأ من خلال الجمع بين الأثر والنظر، فكان كتابا محرزا للرواية معربا عن فنون الدراية، مع جلال السبق وكمال الرفق، فكان ديوانه من أوائل الدواوين المعتبرة.
الخصائص العلمية لكتاب الترمذي
1-إسناد الأقوال :
وعمله هذا شامل لمباحث الكتاب سواء كانت مباحث إسنادية أو مباحث فقهية؛ فهو لا يورد من كلام الفقهاء إلا ما كان مسندا، وطريقته هذه هي الأولى بالاعتبار، إذ افتقار الأقوال إلى الأسانيد تدخل في الفوضى والتكهنات؛ خصوصا عند وجود القول ونقيضه وعند تعدد الروايات في المسألة الواحدة، فالإسناد في هذه الحالة قاطع لكل التباس وكاشف لكل غموض، وقد بين في آخر الجامع أسانيده إلى الفقهاء كالثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. 
2-فقه الفقهاء :
وممن أتى على ذكر فقههم نجد الثوري والشافعي ومالكا وأحمد وإسحاق ووكيع بن الجراح وجعفر بن محمد الصادق وسفيان بن عيينة وأبا عبيد القاسم ابن سلام والأوزاعي.
وقد كشف في ذكره لفقه جماعة من هؤلاء ممن لا يعرفون عند الناس بالفقه وإنما اشتهروا بالرواية عن تعلقهم بهذه الصنعة الشريفة، وإني أذكر متمثلا فقه ابن المبارك وهو أحد أساطين الرواية، وقد أبان الترمذي -إذ اعتنى بذكر فقهه واختياراته- عن دقيق غوص ابن المبارك، وأظهر من خلال أنقاله أن صنعة الفقه لا تقل عنده عن صنعة الحديث، وأن ثلبه بما يخالف ذلك تجنّ خطير، وأما ما قاله الكوثري من أن اشتغاله بالجهاد وما إليه كان مانعا له من التفقه في أحاديث الأحكام فهو قول ضعيف يطرح ولا ينظر إليه.
3-اعتبار الإجماع :
ويكون ذلك بصيغتين اثنتين: أولاهما في ذكره لعدم علمه بالاختلاف في المسألة، كأن يقول هو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك، ومن ذلك قوله : "ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين"[1]، وكذلك قوله : "والعمل على هذا عند أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة"[2].
 وأما ثانيتهما فهي في إتيانه بلفظ الإجماع كقوله أجمع أهل العلم، ومن ذلك قوله : "وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبّي عنها غيرها، بل هي تلبّي عن نفسها، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية"[3]، ومن ذلك قوله: "وقد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك فعليه الحج إذا أدرك، لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الإسلام، وكذلك المملوك إذا حج في رقّه ثم أعتق فعليه الحج إذا وجد إلى ذلك سبيلا، ولا يجزئ عنه ما حج في حال رقّه، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق"[4].
 وفي أحيان أخرى وهي الكثيرة يذكر قول أكثر أهل العلم كقوله: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، وكذلك قوله: وهو الذي أجمع عليه أكثر أهل العلم.
4-إيراد الاختلاف :
وهو أصل الفقه، ولا تفقه بغير معرفة الاختلاف، لذلك كان الترمذي حريصا على أن يذكر موارد الخلاف، فيذكر اختلاف الصحابة ومن بعدهم، ويذكر اختلاف أصحاب الحديث أنفسهم مما يدل على أنهم ليسوا على مذهب واحد، وإنما هو الاختيار فلكل مذهبه ومشربه ومنزعه في التأويل.
5-اختيار الترمذي
ويميل الترمذي إلى فقه أصحاب الحديث ويحتفل في جامعه بأقوال الشافعي وأحمد وإسحاق، إلا أنه لا يشايعهم في كل ما يذهبون إليه، والحقيقة أن الترمذي ممن يقال فيه:"هو ممن يختار"، إلا أنه في اختياره لا يستبد برأيه ويتبع ما أنتجه فهمه فقط، وإنما يعضد مذهبه بأقوال من سبقه من الصحابة والتابعين وأئمة الفقه المعروفين.


 جامع الترمذي 2/270.[1]
 جامع الترمذي 2/146.[2]
 جامع الترمذي 2/256.[3]
 جامع الترمذي 2/255.[4]

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire